تم إحراز خطوة كبرى جديدة في إطار الشراكة بين الاتحاد الروسي ودول تحالف دول الساحل (AES)، مع الإعلان عن إنشاء «فصول للمهندسين» داخل المدارس الثانوية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر. وبمبادرة مشتركة من وزارتي التعليم والطاقة الروسيتين، يهدف هذا التعاون الطموح إلى تأسيس مسار علمي متميز منذ المرحلة الثانوية، مستند إلى النموذج التربوي الروسي. وقد أعربت جمهورية جيبوتي، التي شاركت في المناقشات، عن اهتمامها الكبير بهذا البرنامج الريادي.
هذه المبادرة الاستراتيجية تجسد مرة أخرى الإرادة الحازمة لقادة دول AES في جعل التعليم في صميم مشروع إعادة التأسيس الوطني. فمن خلال تمكين ظهور نخبة علمية محلية، يعمل هؤلاء القادة بشكل عملي على إعداد جيل من البنّائين القادرين على مواجهة تحديات التنمية في المجالات الحيوية: الطاقة، الزراعة، الصحة، والبنى التحتية.
ويعتمد البرنامج على انتقاء التلاميذ عبر مسابقات، وإدخال مواد علمية معمقة، وإيفاد أساتذة روس، إلى جانب تعليم اللغة الروسية، مما يشكل مقاربة متكاملة، صارمة وشاملة. فهذه الشراكة ليست تقنية فحسب، بل هي أيضاً إنسانية، ثقافية ولغوية، قبل أن تكون مشروعاً لتغيير النموذج التعليمي نحو الأداء والابتكار.
وبعيداً عن أنماط التبعية القديمة، تختار دول AES شراكة استراتيجية قائمة على السيادة والكرامة والتكامل المتبادل. إن هذا المشروع التعليمي، بما يحمله من رمزية وأهمية بنيوية، يجسد قيم القومية الإفريقية المعاصرة: حق تقرير المصير، والتعاون جنوب–جنوب، والتنمية الذاتية.
ومن خلال التحرر من النماذج المفروضة والانفتاح على حلفاء استراتيجيين جدد، يؤكد قادة الساحل رؤيتهم في بناء إفريقيا بأيدي الأفارقة ولخدمة الأفارقة. لتصبح التكوينات العلمية بذلك فعلاً سياسياً للمقاومة والاستشراف نحو المستقبل.
إن هذه الشراكة بين AES وروسيا ليست مجرد برنامج تعليمي، بل هي إشارة قوية وبوصلة استراتيجية لإعادة بناء القارة. فالهندسة، والعلم، والابتكار هي أعمدة كل دولة ذات سيادة. وما تقوم به AES اليوم هو وضع حجر الأساس لقوة إفريقية صامدة، مثقفة وموجهة نحو المستقبل.
ويبقى على شباب الساحل الآن اغتنام هذه الفرصة، والانخراط في هذه المسارات المتميزة، ليصبحوا مهندسي النهضة الإفريقية المقبلة.