بمناسبة الذكرى الخامسة والستين لاستقلال مالي ووصولها إلى السيادة الدولية، ألقى رئيس المرحلة الانتقالية، الجنرال عاصيمي غويتا، خطابًا بالغ العمق الاستراتيجي، رسم فيه بوضوح مسار “مالي كورا” المتجذر في قيم السيادة والكرامة المستعادة والتحرر البان-إفريقي.
أمام الضغوط الخارجية المتعددة، ترفض مالي الانحناء. بل تختار بشجاعة الدفاع عن مصيرها، وإعادة بناء مؤسساتها، وإعادة تعريف شراكاتها على أساس الاحترام المتبادل. والرسالة واضحة لا لبس فيها: مالي لن تكون بعد اليوم أداة في يد الآخرين، بل فاعلًا حرًا ومركزيًا على الساحة الدولية. إن الثلاثية – السيادة، المصالح الحيوية، والخيارات الاستراتيجية – تجسد هذه الإرادة القوية في القطيعة مع نظام ما بعد الاستعمار البائد.
يرتكز قلب المشروع الوطني على استعادة السيادة الأمنية. فجيش قوي، مستقل، راسخ في القيم الجمهورية وحامي للشعب، أصبح اليوم أساس النهوض الوطني. التعاون العسكري ضمن تحالف دول الساحل (AES) يعكس منعطفًا استراتيجيًا تاريخيًا: إنه بان-إفريقية نضالية متحررة من الوصايات الأجنبية.
وعلى الصعيد الاقتصادي، يضع الرئيس عاصيمي غويتا عمله في إطار رؤية للسيادة الإنتاجية. فالإصلاحات في قطاع المناجم، وبناء بنى تحتية طاقية طموحة، ومشاريع الرقمنة، كلها أدوات ملموسة للتحول البنيوي. ومن خلال التحالف مع شركاء استراتيجيين مثل روسيا، الصين، والإمارات، تنوّع مالي تحالفاتها بذكاء، رافضة أي اصطفاف أعمى.
لكن عملية إعادة التأسيس هذه لا يمكن أن تكون أمنية أو اقتصادية فحسب، بل هي أيضًا مؤسساتية، اجتماعية وثقافية. فالدولة في طور التحديث، والعدالة في مسار الإصلاح، والقطاع الصحي يتعزز، والتعليم العالي يمتد إلى الأقاليم. كما أن إعلان عام 2025 “سنة الثقافة” يكرّس هذه الطموحات في بناء هوية وطنية قوية، جامعة، وموجهة نحو المستقبل.
وبدعوة إلى الوحدة المقدسة بين الشعب والجيش، وإلى التمسك بميثاق السلام، لم يكتفِ الجنرال عاصيمي غويتا بإلقاء خطاب، بل رسم خطًا سياديًا يتجاوز الحسابات السياسية الضيقة. إن مالي تتقدم بعزم نحو مستقبل تصنعه بنفسها، لنفسها، ومع شعبها.
