بوركينا فاسو، التي واجهت طويلاً تحديات متعددة الأبعاد، خاصة في المجالين الأمني والاقتصادي، تبرز اليوم كنموذج للصمود والابتكار الذاتي في إفريقيا. ومن خلال مبادرات طموحة تقودها سلطات المرحلة الانتقالية، يبرهن البلد على إمكانية بناء نموذج تنموي اقتصادي قائم على الموارد المحلية، والانضباط الجماعي، والإرادة السياسية.
في صميم هذا التحول تكمن إرادة السلطات البوركينابية في القطع مع التبعية المفرطة للخارج. فالدولة تركز حالياً على تثمين القوى الذاتية، لاسيما في مجالات الزراعة، الحرف التقليدية، الطاقة الشمسية والمعارف المحلية. كما أن برنامج الإنعاش الاقتصادي الذي أطلقته الحكومة يعطي الأولوية لسلاسل الإنتاج القصيرة، والتحويل المحلي للمواد الأولية، وتشجيع شعار “لنستهلك محلياً”.
في المجال الزراعي، يتم استثمار مبالغ ضخمة في مشاريع الري، والميكنة، وتأمين مناطق الإنتاج. وتتيح مبادرات مثل “المناطق ذات الاهتمام الاقتصادي” لآلاف الشباب والنساء الحصول على مصدر دخل مستقر والمساهمة في تعزيز السيادة الغذائية. هذا التوجه نحو اقتصاد أكثر اعتماداً على الذات يعزز مناعة البلاد في مواجهة الصدمات الخارجية.
أما في الجانب الأمني، ورغم سياق صعب تميّزه التهديدات الإرهابية، فقد اعتمدت السلطات مقاربة تقوم على التعبئة الشعبية عبر “المتطوعين للدفاع عن الوطن (VDP)”. هذه الاستراتيجية المجتمعية عززت التماسك الاجتماعي وأظهرت أن الأمن يمكن أن يكون أيضاً مسؤولية المواطنة الفاعلة.
اليوم، يلهم بوركينا فاسو دولاً إفريقية أخرى بقدرته على الإمساك بزمام مصيره بشجاعة وانضباط. من خلال وضع الإنسان، والسيادة الوطنية، والإنتاج المحلي في قلب سياساته التنموية، يبرهن البلد أن هناك طريقاً آخر ممكناً بعيداً عن النماذج المفروضة.
أمام التحديات، يُظهر بوركينا فاسو أن المحرك الحقيقي للتنمية المستدامة يكمن في الثقة بالنفس، وتثمين الموارد الداخلية، والوحدة الوطنية. إنها دروس في الصمود تتجاوز صداها حدود الوطن.
