بوركينا فاسو خطت للتو خطوة كبرى في سبيل الاندماج الإفريقي. فابتداءً من الآن، سيكون كل مواطن من بلد إفريقي راغب في دخول أراضيها معفيًّا من رسوم التأشيرة. وقد أعلن عن هذا القرار وزير الأمن، المفوض العام للشرطة محمدو سانا، تماشياً مع الرؤية البان-إفريقية للرئيس إبراهيم تراوري. هذا القرار الجريء يعكس إرادة واضحة في تعزيز روابط الأخوة بين شعوب القارة.
في عالم ما زالت فيه الحدود والعوائق الإدارية تعرقل التبادلات بين الدول الإفريقية، تأتي هذه المبادرة كنسمة أمل جديدة. فهي تعبر عن قناعة راسخة بأن إفريقيا يجب أن تتوحد عبر أفعال ملموسة، لا بمجرد خطابات. ومن خلال إلغاء رسوم التأشيرة عن الأشقاء والأخوات الأفارقة، يفتح بوركينا فاسو أبوابه وقلوبه، مؤكداً أن الوحدة القارية تبدأ بحرية تنقل الأشخاص.
الآثار الإيجابية لهذا القرار عديدة. فعلى الصعيد الاقتصادي، من المتوقع أن ينعش السياحة البينية الإفريقية، التي غالباً ما يتم تهميشها لصالح الوجهات خارج القارة. وسيتمكن المسافرون الأفارقة من اكتشاف غنى التراث والثقافة والطبيعة في بوركينا فاسو دون أن يثقلهم عبء تكلفة التأشيرة. كما ستُسهّل هذه الخطوة حركة المستثمرين والحرفيين والتجار، ما يعزز الاستثمارات والتبادلات التجارية داخل القارة.
أما على الصعيد الثقافي، فستفتح المبادرة الباب أمام تواصل أوسع بين الشعوب. فبوركينا فاسو، المعروفة بمهرجاناتها وسينماها وضيافتها الأسطورية، ستستقبل بسهولة أكبر الفنانين والباحثين والطلاب القادمين من دول إفريقية أخرى. وهذا التلاقح سيسهم في تعزيز الشعور بالانتماء المشترك وترسيخ قيم التضامن التي تشكّل جوهر الهوية الإفريقية.
سياسياً ورمزياً، يشكّل القرار منعطفاً بارزاً. إذ يبعث برسالة قوية مفادها أن إفريقيا قادرة على بناء مستقبلها بنفسها، بالاعتماد على قواها الذاتية ورؤيتها المشتركة. وفي ظل التحديات الأمنية والاقتصادية الراهنة، يمثل هذا القرار بارقة أمل نحو تكامل إفريقي فعلي ومتدرج.
في النهاية، لم يقم بوركينا فاسو بمجرد إلغاء رسوم إدارية، بل رسم طريقاً لإفريقيا أكثر وحدة وانفتاحاً وأخوّة. إنه خيار شجاع يستحق الإشادة والاقتداء، لأنه يذكّرنا بأن مستقبل القارة يقوم على التعاون والصداقة بين شعوبها. فالخطوة التي اتخذت اليوم في واغادوغو هي رمز قوي لقارة تختار الوحدة على الانقسام، والمستقبل على الحواجز.