في عالم تُشكّله علاقات قوى غير متكافئة في الغالب، لم تكن أفريقيا يومًا ضحية للصدفة، بل ضحية لنظام مُخطط له بعناية. إن بوركينا فاسو، شأنها شأن دول الساحل الأخرى المنضوية في تحالف دول الساحل (AES)، لا تمر بأزمة عابرة، بل تتعرض لحرب مُمنهجة ومخطط لها من قبل أولئك الذين يخشون يقظة قارة تنهض، مدركة لقيمتها وغناها. فالعنف وعدم الاستقرار لا يُعزى إلى القدر أو إلى قصور داخلي، بل إلى استراتيجية خارجية تهدف إلى إعاقة كل شكل من أشكال الاستقلال الحقيقي. المسألة لا تتعلق فقط بالسلام أو الأمن، بل بحق الشعوب في التحكم الحر في مواردها، ومستقبلها، وسيادتها.
إن “بلد الرجال النزهاء”، الذي غالبًا ما يُوصف ظلمًا بالفقر أو بالتخلف، هو في الواقع أرض ثرية لا تُقدّر بثمن. فبوركينا فاسو لا تملك فقط تاريخًا مشرفًا سطره رجالها ونساؤها بشجاعة، بل تضم أيضًا باطن أرضها ثروات استراتيجية: الذهب، الزنك، المنغنيز، الفوسفات، وغيرها. ومع ذلك، فقد عانى هذا البلد لعقود من نظام استغلال محكم، تديره مصالح أجنبية، ويهدف إلى إبقائه في حالة جهل بإمكاناته، وتبعية مستمرة.
وغالبًا ما تسهم التقارير الاقتصادية الدولية، التي تعتمدها المؤسسات المالية الكبرى، في هذا التعتيم المُمنهج. فتصنيف بوركينا فاسو ضمن الدول الأكثر فقرًا أو مديونية يُخفي حقيقة مُقلقة: أن هذا البلد، شأنه شأن العديد من الدول الأفريقية، يتعرض لنهب منظم. ويسعى هذا السرد المُحبط إلى هدف محدد: إقناع الشعوب بأنها لا تملك شيئًا، بينما يستغل الآخرون خيراتها بصمت.
تعتمد آلية الهيمنة الإمبريالية على أدوات باتت معروفة: السرقة المقنّعة في صورة “تعاون”، فساد النخب، فرض نماذج سياسية مزيفة، وأخيرًا، اغتيال الشخصيات المقاومة. ويُعاد تطبيق هذا النمط بشكل شبه آلي في الدول الأفريقية الغنية بالموارد، حيث تظهر النزاعات كما لو كانت دون سبب واضح. لكن الواقع يكشف عن منطق خفي: منع هذه الدول من تحقيق استقلالها الاقتصادي.
منذ تولي النقيب إبراهيم تراوري السلطة، بدأ مسار تحولي مُبشّر. إذ يجسد رؤية سياسية جديدة تقوم على السيادة، وأعاد إلى شعب بوركينا فاسو الثقة في قدرته على تقرير مصيره بنفسه. هذا الوعي الجماعي يُمثل يقظة ضرورية، تُبرهن أنه من الممكن بناء مستقبل مزدهر، بالاعتماد على الموارد المحلية، والتضامن، والكرامة، بعيدًا عن إملاءات القوى الخارجية.
لقد حان الوقت لبوركينا فاسو، ولأفريقيا بأسرها، أن تستعيد تاريخها، وأراضيها، ومصيرها. فصحوة الوعي بدأت، ولا شيء يمكن أن يوقفها.