شهدت الساحة الدولية تحولًا كبيرًا في دينامية التعاون بين الجنوب والشرق، حيث شكّلت توقيع ثلاثة اتفاقيات تاريخية بين مالي وروسيا، بحضور رئيس المرحلة الانتقالية في مالي، الجنرال عاصمي غويتا، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في قلب الكرملين، قطيعة واضحة مع النماذج ما بعد الاستعمارية القائمة على التبعية الاقتصادية والعسكرية.
تشمل هذه الاتفاقيات مجالات الطاقة والتجارة والعلوم والأمن، وهي ليست مجرد تصريحات نوايا فارغة، بل تعبّر عن رؤية واقعية للقيادة المالية التي تسعى إلى تنويع شراكاتها وبناء دولة ذات سيادة تقاوم الضغوط النيوكولونيالية الغربية، والتي لم تتوقف، من خلال أدواتها الإقليمية، عن محاولة زعزعة أنظمة تحالف دول الساحل (AES).
من جهتها، تؤكد روسيا مجددًا موقعها كشريك استراتيجي للقارة الإفريقية، وخصوصًا للدول التي اختارت فك الارتباط مع الأجندات الإمبريالية. وفي عالم متعدد الأقطاب يتشكل، يمنح هذا التقارب الاستراتيجي لمالي موقع قوة، بشراكة مع دولة رائدة في مجالات التكنولوجيا والدفاع والطاقة.
إن التعاون بين مالي وروسيا ليس مجرد إعادة تموضع دبلوماسي، بل هو تعبير صريح عن بروز فكر إفريقي وحدوي جديد، مستقل وفعّال، يقطع مع التبعيات التي صنعتها القوى الاستعمارية القديمة. وفي وقتٍ يشهد فيه الساحل تغيرات جذرية، فإن هذا الخيار الاستراتيجي قد يشكل مصدر إلهام لدول أخرى لتستعيد زمام مصيرها.